عندما
أقرأ التاريخ الإسلامي،خاصة تاريخ القرون الأولى للأمة،حقبة بني أمية و العباسيين أغمض عيني و أحاول أن أتخيل روعة ذاك الزّمان
الغابر،أحاول جاهدا أن أتخيله بكل دقائقه
و صفاته أغمض عيناي لأرى مكة المكرّمة و المدينة المنورة
و الكوفة و العراق،أرى قصور الخلفاء البهية و خلفاء أقوياء لا يرهبهم جيش فارس و
لا جيش الرّوم،يقدّرون العلم و العلماء فيقربونهم و يدنونهم منهم و يجزلون لهم
العطاء.
أغمض
عيناي لأرى طرق بغداد و حارات الشام و مدن مصر و شوارع مكة و المدينة وأزقة
القيروان مليئة بالنّاس،هذا في تجارته و هذا في فلاحته و زراعته،وهذا في حلقة علم
و ذاك في حلقة نحو و أدب،أغمض عيني لأرى الشافعي و الأصمعي و الشّعبي يلقون العلم
و الناس من حولهم في تلك الحلقة العظيمة و الجمع المبارك يكتبون العلم بالريشة على
ورق الجريد.يجّلون العلم و الأدب، يقدرونه حقّ قدره لذلك فهم يتعبون و ينصبون في
طلبه.
أغمض عيني لأرى فحول الشعراء تنطلق من
أفواههم القوافي تنبض علما و حكمة كأنّها السّهام انطلقت من الأقواس.
أغمض عيناي لأرى المسلمين الأوائل الذين
يملأ الإيمان قلوبهم و نفوسهم مشبّعة بحب الله ورسوله-صلى الله عليه و سلّم-
يخرجون في جيوش عظيمة تهتز من تحتها الأرض،مدججة بالسلاح مترسة بالدروع محصّنة و منصورة
بالإيمان لا بالعدة و العتاد.
أغمض عيناي لأرى امرأة تستغيث
"وامعتصماه" و أرى المعتصم يجهز جيشا عرمرما لنجدتها،أول
الجيش في الروم و آخره في قصره،كل هذا من اجل شرف امرأة مسلمة واحدة استغاثت.انه
عصر العزة عصر القوة عصر العلم و العلماء و الشعر و الشعراء و الأدب و الأدباء و الخلافة و الخلفاء،عصر
جميل ولى وتركنا و ذهب.
ثم افتح عيناي لأعود إلى واقع المسلمين
المرير،حيث كل شيء تقريبا له قيمة،المغنون و المزمرون و الرقاصون كل شيء إلا العلم
و العلماء.زمن فيه كل شيء و غابت منه العزة و النخوة،زمن فيه كل شعائر الإسلام
لكن روحه غائبة.
ثم أغمض عيني من جديد و آخذ نفسا عميقا و
أقول:يا ليت ذاك الزمان يعود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق